فصل: من الدلالات العلمية للآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من الدلالات العلمية للآية الكريمة:

أولا: خلق السماوات والأرض من أعظم الأدلة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة:
فقد أدرك العلماء حقيقة توسع الكون في مطلع القرن العشرين، وأدي إدراك تلك الحقيقة إلي الاستنتاج الصحيح بأن كوننا بدأ خلقه من نقطة متناهية الضالة في الحجم، ومتناهية الضخامة في كم المادة والطاقة، وأن هذه النقطة انفجرت فتحولت إلي سحابة من الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماوات.
ومع توسع الكون تم تبرده من مئات البلايين من الدرجات المطلقة إلي حوالي الثلاث درجات المطلقة تقاس اليوم علي جميع أطراف الجزء المدرك لنا من السماء الدنيا، تخلقت المادة ونقائضها، ومختلف صور الطاقة وأضدادها علي مراحل متتالية يحددها العلماء في النقاط التالية:
(1) عصر الكواركات والجليونات:
وقد استمر لجزء من مائة ألف مليون جزء من الثانية بعد عملية الانفجار العظيم وفيه خلقت اللبنات الأولية للمادة كما خلقت أضدادها من الدخان الكوني وذلك من مثل الكواركات وأضدادها النيوترينوات ونقائضها.
وكان الدخان الكوني كثيفا مظلما معتما، وكانت الجاذبية قوة منفصلة رابطة أجزاء هذا الدخان الكوني، بينما انفصلت القوة الشديدة عن القوة الكهربية الضعيفة، ويعتقد أن أعداد هذه الجسيمات الأولية كان يفوق أعداد نقائضها وإلا ما وجد الكون، أو أن إرادة عليا فصلت بين تلك الجسيمات ونقائضها حتي تقوم السماوات والأرض بأمر الله. وكانت هذه الفترة فترة تمدد ملحوظ وتوسع مذهل للكون.
(2) عصر اللبتونات:
وقد استمر إلي جزء من مليون جزء من الثانية بعد عملية الانفجار العظيم، وفيه تمايزت اللبتونات (وهي أخف اللبنات الأولية للمادة مثل الإليكترونات والنيوترينوات وأضدادها عن الكواركات، كما تمايزت البوزونات، وانفصلت القوة الضعيفة) عن اتحاد القوي المعروف باسم القوة الكهربية الضعيفة.
(3) عصر النيوكليونات وأضدادها:
وقد استمر إلي 225 ثانية بعد عملية الانفجار العظيم، وفيه اتحدت الكواركات مع بعضها البعض لتكون النيوكليونات وأضدادها من مثل البروتونات ونقائضها، والنيوترونات ونقائضها، وكانت الطاقة علي قدر من الضعف لايسمح بتكون النيوكليونات وأضدادها علي نطاق واسع وإلا ماوجد الكون.
(4) عصر تخلق نوي ذرات العناصر:
وقد استمر في الفترة من 225 ثانية إلي ألف ثانية بعد عملية الانفجار العظيم، وفيه تكونت الديوترونات الثابتة وهي تنتج عن ترابط بروتون مع نيوترون، ومع تكوينها بدأت عملية الاندماج النووي في تكوين نوي ذرات الايدروجين. وباتحادها تكونت نوي ذرات الهيليوم وبعض نوي الذرات الأثقل حتي وصلت نسبة الايدروجين إلي 74%، والهيليوم إلي 25%، ونوي بعض العناصر الأثقل وزنا إلي 1%.
(5) عصر تخلق الأيونات:
وقد استمر في الفترة من ألف ثانية إلي عشرة تريليونات ثانية بعد الانفجار العظيم، وفيه تكونت أيونات كل من غازي الإيدروجين والهيليوم، واستمر الكون في الاتساع والتبرد.
(6) عصر تخلق الذرات:
ويمتد في الفترة من عشرة تريليونات ثانية إلي ألف تريليون ثانية بعد عملية الانفجار العظيم، وفيه تكونت ذرات العناصر، وترابطت بقوي الجاذبية وأصبح الكون شفافا.
(7) عصر تخلق النجوم والمجرات:
وقد امتد في الفترة من ألف تريليون ثانية (أي نحو 32 مليون سنة من سنينا الراهنة) بعد عملية الانفجار العظيم إلي اليوم (أي نحو عشرة بلايين من السنين)، وفيه تخلقت أغلب العناصر المعروفة لنا (وهي أكثر من مائة وخمسة عناصر) بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم حتي تكون عنصر الحديد في داخل المستعرات والمستعرات العظمي، وتكون العناصر الأعلي وزنا ذريا من نوي ذرات الحديد باصطيادها للبنات الأولية للمادة المنتشرة في صفحة السماء.
ولقد سبق القرآن الكريم هذه المعارف العلمية بأربعة عشر قرنا وذلك بقول الحق تبارك وتعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30].
وقوله عز من قائل: {ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].
وقوله سبحانه وتعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47].
وهذه المراحل تؤكد الحكمة والتدبير الفائقين في خلق السماوات والأرض لأن أدني مفارقة في الحساب كان من الممكن أن تبطل بناء الكون، وذلك يشمل حسابات الكم والكيف، ودرجات الحرارة، ومعدلات التوسع، وانضباط التفاعلات، خاصة أن العملية كلها ناتجة عن انفجار الجرم الأولي، وأن من طبيعة الانفجار أن يؤدي إلي الدمار وإلي بعثرة كل شيء وتناثره، أما انفجار يؤدي إلي بناء كون بهذه السعة، وضخامة أعداد الأجرام، وانضباط حركاتها، وسرعات دورانها، وعلاقاتها ببعضها البعض، لابد وأن يكون قد سبقه وزامنه وتبعه من دقة التقدير، وإبداع التكوين، وحسن الرعاية ما أوصله إلي مانراه في الأنفس والآفاق من حولنا، وهو مايشهد للخالق العظيم بطلاقة القدرة، وكمال الصنعة، ودقة التقدير...!!.
ثانيا: خلق الظلمات والنور من الأدلة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة والمستوجبة الحمد لله تعالى:
من الراجح علميا أن كوننا بدأ بحالة من الدخان الداكن الكثيف التي استمرت علي مدي ثلاثين مليون سنة من سنينا الحالية علي أقل تقدير، ثم بدأ الكون من بعدها في التحول من الشفافية القادرة علي استقبال الضوء الناتج عن عملية الاندماج النووي في داخل النجوم، والتي استمرت علي مدي فترة تقدر بعشرة مليارات من السنين علي أقل تقدير إلي زماننا الحالي، وإلي أن يشاء الله تعالى. ولما كان ضوء النجوم- في غالبيته- غير مرئي تعددت الظلمات في كوننا علي النحو التالي:
(1) الظلمة الأولية للكون:
وقد استغرقت الفترة من بعد عملية الانفجار العظيم وحتي بدايات عملية الاندماج النووي، وتقدر بنحو الثلاثين مليون سنة من سنينا الحالية. وقد تميزت هذه الفترة بالكثافة العالية لمادة الكون في صورها الأولية، وبالعتمة الكاملة، والإظلام التام.
(2) الظلمة الحالية للكون:
بعد عملية الانفجار العظيم بنحو الثلاثين مليون سنة تخلقت النجوم وبدأت عملية الاندماج النووي الحراري بداخلها، ولاتزال مستمرة إلي يومنا الحالي بعد أكثر من عشرة مليارات من السنين وإلي أن يشاء الله سبحانه وتعالى، وبذلك بدأت النجوم في إرسال أضوائها إلي فسحة السماء وإن كانت أغلب تلك الأضواء غير مرئية لتكونها من سلسلة متصلة من الأمواج الكهرو- مغناطيسية التي تشمل موجات الراديو بمختلف أطوالها، والأشعة تحت الحمراء، وأطياف الضوء المرئي، والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية، وأشعة جاما، وهذه الموجات الكهرومغناطيسية لاتختلف فيما بينها إلا في تردداتها وأطوال موجاتها، ويمتد الطول الموجي للطيف الكهرومغناطيسي بين عدة كيلومترات لموجات الراديو (الموجات اللاسلكية) وبين جزء من بليون جزء من المليمتر لأشعة جاما، أما الأشعة البصرية فتتراوح أطوال موجاتها بين 0،01 ميكرون ومائة ميكرون (والميكرون =0،001 ملليمتر)، وتضم موجات الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية. وتميز عين الإنسان من أطياف الضوء المرئي: الأحمر (وهو أطولها وأقلها ترددا) ثم البرتقالي، فالأصفر، والاخضر، والأزرق، والنيلي والبنفسجي (وهو أقصر موجات الطيف المرئي وأعلاها ترددا)، وهذه الموجات لاتري بوضوح إلا في طبقة النهار وهي جزء يسير من الغلاف الغازي للأرض المحيط بنصفها المواجه للشمس لايتعدي سمكه مائتي كيلومتر، وفيه يتم انعكاس هذه الأطياف بواسطة هباءات الغبار وقطيرات الماء، واختلاطها مع بعضها البعض لتعطينا نور النهار الأبيض الذي يتمتع به أهل الأرض وأهل كل كوكب له غلاف غازي مماثل. وعلي ذلك فإننا إذ تجاوزنا طبقة النهار فإننا نري الشمس قرصا أزرق في صفحة سوداء شديدة الإظلام وهذه هي ظلمة الكون الحالي التي وصفها الحق تبارك وتعالى بقوله عز من قائل: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} [الحجر: 14 و15].
وقوله سبحانه في وصف السماء: {وأغطش ليلها وأخرج ضحاها} [النازعات: 29].
هذه ظلمة ليل السماء، وهي ظلمة تزداد حلوكة عندما تلتقي مع ظلمة ليل الأرض، ويحدثها دوران الأرض حول محورها أمام الشمس فيتقاسم سطح الأرض الليل والنهار، الليل في نصف الكرة الأرضية غير المواجه للشمس، والنهار في نصفها المواجه للشمس.
(3) ظلمة أعماق البحار والمحيطات:
من الثابت علميا أن قيعان البحار العميقة والمحيطات تغرق في ظلام دامس، وذلك لأن أعماقها تتراوح بين مئات الأمتار،11034 مترا، بمتوسط يقدر بنحو 3795 مترا، وأشعة الشمس لايمكنها الوصول إلي تلك الأعماق أبدا، فمن الثابت أن نطاق الأوزون في الغلاف الغازي للأرض يرد أغلب الموجات فوق البنفسجية إلي خارج نطاق الأرض، بينما تعكس السحب نحو 30% وتمتص نحو 19% من باقي أشعة الشمس، وبذلك لايصل إلي سطح الماء في البحار والمحيطات أكثر من 51% من أشعة الشمس الساقطة عليها وبمجرد سقوط هذه النسبة تعكس الأمواج السطحية 5% منها، وتستهلك 35% من الأشعة تحت الحمراء في تبخير الماء وفي عمليات التمثيل الضوئي التي تقوم بها بعض النباتات البحرية.
وعند نفاذ الجزء المتبقي من أشعة الشمس إلي داخل كتلة الماء فإنه يتعرض للعديد من عمليات الانكسار، والتحلل إلي أطيافه المختلفة التي تمتص بالتدريج حسب أطوال موجاتها بدءا بالأحمر وانتهاء بالبنفسجي.
وبذلك فان معظم موجات الضوء المرئي من أشعة الشمس يمتص علي عمق يصل إلي 100 م تقريبا من مستوي سطح الماء في البحار والمحيطات، ويعرف هذا النطاق باسم النطاق المضيء ويستمر 1% فقط من أشعة الشمس إلي عمق 150 م،0،01% إلي عمق 200 م في الماء الصافي الخالي من العوالق، ويظل هذا القدر الضئيل من الضوء المرئي يتعرض للانكسار والتشتت والامتصاص حتي يتلاشي تماما علي عمق لايكاد يصل إلي الألف متر تحت مستوي سطح البحر حيث لايبقي من ضوء الشمس شيء يذكر (جزء واحد من عشرة تريليونات جزء)، هذا إذا لم تحل الأمواج العميقة حيلولة كاملة دون وصول الضوء إلي تلك الأعماق، ويبدأ تكون تلك الأمواج علي عمق 40 م تقريبا من مستوي سطح البحر، وقد تتكرر علي أعماق دون ذلك.. ويصف القرآن الكريم ظلمة قيعان البحار العميقة بقول الحق تبارك وتعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40].
(4) ظلمات الأرحام:
ويصفها الحق تبارك وتعالى بقوله: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث} [الزمر: 6].
وقد فسرت هذه الظلمات الثلاث بظلمة البطن، يليها إلي الداخل ظلمة الرحم، يليها إلي الداخل ظلمة المشيمة بأغشيتها السلوية ومابها من سائل مخاطي.
(5) ظلمة القبر كنموذج لظلمة كل مكان مغلق في باطن الأرض أو علي سطحها:
من السنة النبوية الشريفة أن يعمق القبر قدر قامة وبسطة، وأن يشق اللحد في جانب القبر جهة القبلة ويوضع فيه جسد الميت علي جنبه الأيمن ووجهه تجاه القبلة، ثم علي اللحد ينصب الطوب اللبن (الطوب النييء) ثم يملأ القبر بالرمال أو التراب، ويرفع قدر شبر عن الأرض. وقد يكتفي بشق حفرة في وسط القبر تبني جوانبها باللبن، ثم يوضع فيها الميت ويسقف عليه بشيء مما لم يدخل النار من مثل الخشب ثم تهال عليه الرمال أو التراب إلي ارتفاع شبر فوق الأرض، إلا أن اللحد أولي.
وبعد إغلاق القبر تكون الظلمة فيه كاملة، ومنها استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتشبه ظلمة القبر ظلمة الكهوف، والمغائر (المغارات) والمناجم، والحفر الأرضية العميقة، وكذلك ظلمة المخابيء، والأماكن المغلقة إغلاقا محكما.
أما نور النهار الأبيض الجميل فلا يري إلا في الجزء السفلي من الغلاف الغازي المحيط بنصف الأرض المواجه للشمس إلي سمك مائتي كيلومتر فقط حيث يتوافر القدر الكافي من هباءات الغبار وقطيرات الماء وجزيئات الغازات الهوائية التي تعكس وتشتت وتخلط موجات الطيف المرئي حتي تعطي لنا ذلك النور الأبيض المبهر الذي يميز النهار، والذي يصفه الحق تبارك وتعالى بقوله: {والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها} [الشمس: 1- 3].
وأشار إلي رقة طبقة النهار بقوله عز من قائل: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} [يس: 37].
وقوله: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} [غافر: 61].
فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه قوله الحق: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1].
فجمع الظلمات لتعددها وسيادتها في الكون، وأفرد النور لخصوصيته ومحدوديته في الوجود، وعدم تعدده، وهي حقائق لم تدرك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة علي نبي أمي صلى الله عليه وسلم وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأمييين لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وبأن الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض، فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه، ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين. اهـ.